دور المنظمات الإغاثية في إنعاش القطاع الصحي شمال غرب سوريا

الثلاثاء/فبراير/2024 | SNL

بعد سنواتٍ طويلة من الحرب الهمجية التي ما زالت مستمرة ضد ملايين الأبرياء شمال غرب سوريا إلى اليوم، باتت حياتهم عبارة عن “مأساةٍ إنسانية” بكل ما تحمله الكلمة من معاني، لا سيما بالنسبة لمن يعيشون في المخيمات والملاجئ المتهالكة.

 

إذ تشهد المنطقة واحدة من أكبر وأعقد الطوارئ الإنسانية على مستوى العالم من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكان العجز الأكبر من نصيب قطّاع الخدمات الطبية والصحية، الذي يتلقّى ضربات متتالية من خسارة الموارد البشرية والماديّة واللوجستية، حتى بات على حافة الانهيار.

 

سنتعرف في هذا المقال على أكبر التحديات التي تواجه هذا القطاع، ودور المنظمات الإغاثية الإنسانية التي تنشط شمال غرب سوريا وتبذل جهوداً مستمرة منذ سنوات في الحفاظ على الأرواح ودعم الصحة رغم صعوبة المهام الموكلة إليها.

القطاع الصحي شمال غرب سوريا

التحديات التي تواجه القطاع الصحي في الشمال السوري

يواجه القطاع الصحي مجموعة ضخمة من التحديات التي تتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً لتدارك الكارثة، فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها متخصصو الرعاية الصحية في المنظمات الإغاثية، يبقى حجم الاحتياج والعوائق أكبر بكثير، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

 

  • استمرار الأعمال العدائية وزعزعة الأمن: مع استمرار الأعمال العدائية والهجمات الصاروخية تتفاقم معاناة المنظومة الصحية شمال غرب سوريا ويزداد حجم الفجوة بين الإمكانيات المُتاحة والمسؤوليات المفروضة، إذ لا يمرُّ شهرٌ دون وقوع عدد من الضحايا المدنيين بين قتلى وجرحى نتيجة القصف والغارات الهمجية.


  • تخفيض الدعم الدولي المستمر: شهدت الفترات القليلة الماضية تراجعاً واضح في حجم المساعدات الإنسانية شمال غرب سوريا، مما يؤثر سلباً على توفير الخدمات الطبية، ويترك المجتمعات المنهارة في مواجهة الألم والمرض وحدها.


  • نقص الكوادر الطبية: إنَّ النقص الحاد في الكوادر الطبية هو أحد أكبر التحديات التي تعيق عمل المنظومة الصحية، فالأطباء والممرضين المتخصصين قلّة عدا عن عدم القدرة على تغطية أجور القوى العاملة الحالية التي تعاني من ضغوط شديدة، وتعمل بلا كلل لتلبية الطلب الهائل على خدمات الرعاية الصحية.


  • ندرة الأجهزة والمعدات الطبية: من أدوات التشخيص الأساسيّة إلى الآلات والأجهزة المخبرية المتطوّرة، يكافح القطاع الصحي لشراء الموارد اللازمة والحفاظ عليها، ولا تزال الغالبية العظمى من المشافي والنقاط الطبية في الشمال السوري خاليةً منها إلى اليوم.


  • انتشار الفيروسات والأوبئة: في ظلِّ الظروف المعيشية المكتظة ومحدودية الوصول إلى التدابير الوقائية، ويصبح احتواء وإدارة تفشي المرض معركة شاقة، إذ تعتبر المخيمات ومناطق النزوح أرضاً خصبة مثالية لاِنتشار هذه الأمراض، نتيجة انعدام النظافة وتلوث المياه وسوء مرافق الصرف الصحي.

استجابة المنظمات الإغاثية ومؤسسات المجتمع المدني

منذ الأشهر الأولى لبداية الكارثة السورية انطلقت عشرات المبادرات والفرق الإنسانية؛ استجابةً لأصوات المعاناة وصرخات المُصابين والمرضى لتخفف عنهم أوجاعهم وآلامهم، وبعد كل تلك السنوات والأزمات التي عاشتها المنطقة والتحديات العصيبة التي يواجهها العاملون في هذا الميدان لم يزل عطاؤهم مستمراً إلى اليوم.

 

فيما يلي أهم الخدمات التي توفرها منظمات الإغاثة ومؤسسات المجتمع المدني شمال غرب سوريا، والتي تبرز دورها المحوري في استمرار تقديم الخدمات الصحية وسط هذه الشدائد:

  • تأمين الرعاية الطبية الطارئة:

يتم توفير هذه الخدمات من خلال نشر النقاط الطبية المتنقلة وعيادات طوارئ، مما يضمن تلبية الاحتياجات الطبية العاجلة التي تمثّل خط الدفاع الأوّل، حيث تعالج مختلف الحالات الإسعافية كالحروق والجروح الخطيرة والكسور أو الجلطات، بالإضافة للإصابات الناتجة عن أعمال القصف.

  • إقامة برامج التوعية الصحية:

وبعيداً عن الرعاية الطبية الفورية، تشارك منظمات الإغاثة في مبادرات صحة المجتمع حيث تركز هذه البرامج على التدابير الوقائية، والتثقيف الصحي، وخلق الوعي، وتعزيز النهج الشامل للرعاية الصحية وتوزيع مستلزمات النظافة الأساسية لمكافحة انتشار الأمراض.

  • برامج صحة الأم والطفل:

إنَّ النساء والأطفال هم أكثر الفئات المعرّضة للخطر في مناطق النزاع شمال غرب سوريا، ولذلك تعطي منظمات الإغاثة الأولوية لصحة الأم والطفل، وتوفر رعاية ما قبل الولادة، وخدمات الولادة الآمنة، ودعم ما بعد الولادة، كما تلعب برامج االرعاية الصحية للحوامل وحديثي الولادة دوراً بالغ الأهمية في حمايتهم من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

  • خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي:

يشكّل اللاجئين والنازحين القسم الأكبر من السكان شمال غرب سوريا، ومعظمهم يعاني من ضغوطات وأزمات نفسيّة، حلّت بهم نتيجة التجارب القاسية التي عايشوها بسبب التهجير القسري والنزوح، لذلك تقوم منظمات الإغاثة بدمج الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي في خدماتها، حيث تقدم الاستشارات وعلاج الصدمات والمبادرات المجتمعية لمعالجة جروحهم غير المرئية.

  • علاج الأمراض المزمنة:

في خضم الفوضى التي يعيشها الشمال السوري صحيّاً وأمنيّاً، تدرك منظمات الإغاثة الصحية خطورة انتشار الأمراض المزمنة التي تتطلب تدخلاً سريع وإدارة مستدامة، لذلك تعمل على ضمان توافر الأدوية، وإجراء فحوصات منتظمة، وتنفيذ برامج الاستجابة لإدارة الحالات مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وسوء التغذية عند الأطفال وغيرها من الأمراض المزمنة.

  • الاستجابة الطارئة لتفشي الأمراض:

إنَّ انتشار الأوبئة في صفوف اللاجئين والنازحين شمال غرب سوريا ليس بالأمر الجديد، فقد شهدنا تفشّي مجموعة من الأمراض القاتلة، لذا تنشط منظمات الإغاثة في الاستجابة السريعة، ونشر الفرق الطبية، وتوصيل الإمدادات الأساسية لاحتواء وإدارة تفشي المرض، سواء كانت أمراضاً معدية أو آثار الكوارث البيئية، وقد أثبتت جدارتها عند انتشار وباء كوفيد19 وخلال كارثة الزلزال في السادس من شباط 2023.

  • خدمات التأهيل والعلاج الطبيعي:

كنتيجة طبيعية، يترك الصراع أثرًا من الإعاقات الجسدية بين المدنيين، بالمقابل تركز المنظمات الإغاثية على خدمات إعادة التأهيل والعلاج الطبيعي، بهدف استعادة القدرة على الحركة وتحسين نوعية الحياة للمتضررين من أصحاب الإصابات والإعاقات الدائمة.

القطاع الصحي شمال غرب سوريا

ما الذي تحتاجه هذه المنظمات للاستمرار؟

في ظلِّ الأزمات والتحديات العصيبة التي توجهها هذه المنظمات، فإن استدامة خدماتها الأساسية تتطلب معالجة عدد لا يحصى من الاحتياجات، بدءاً من البنية التحتية إلى الموارد البشرية حيث:

 

  • تشمل الاحتياجات الرئيسية إعادة بناء بنية تحتية قوية للرعاية الصحية، وعلى رأسها المستشفيات والعيادات، وضمان إمدادات الطاقة والاتصال دون انقطاع.

 

  • تتطلب ندرة المهنيين الطبيين المهرة جهوداً مستمرة للتوظيف والتدريب، مع التركيز على تمكين العاملين المحليين في مجال الرعاية الصحية.

 

  • يعد الوصول إلى الإمدادات والمعدات الطبية المتنوعة وعالية الجودة أمراً أساسياً، إلى جانب الاستثمارات في التقدم التكنولوجي في هذا السياق.

 

  • من الضروري وجود سلاسل توريد دوائية موثوقة، وبرامج تطعيم شاملة، ودعم مالي للاحتياجات التشغيلية.

 

  • بناء الشراكات التعاونية المحلية والدولية على حد سواء، إلى جانب المشاركة المجتمعية النشطة، التي تعمل على تعزيز الفعالية والحساسية الثقافية لتدخلات الرعاية الصحية.

رسالة شكر من رابطة الشبكات السورية

إلى جميع العاملين والعاملات الأبطال في المجال الصحي في شمال غرب سوريا، لا يسعنا سوى أن نُعبّر عن بالغِ الامتنان والتقدير لكم جميعاً على الجهود العظيمة التي تبذلونها في ظلِّ ظروف صعبة جداً. أنتم حقاً الأبطال الذين يقفون بجانب الضعفاء والمحتاجين في أوقات الأزمات.

 

ندرك تماماً التحديات الهائلة التي تواجهونها يوماً بعد يوم، ومع ذلك، فإنكم تستمرون في العمل بتفانٍ وإخلاص لتقديم الرعاية الصحية الضرورية للمرضى والجرحى، وإنَّ إصراركم وقدرتكم على التكيف والابتكار في هذه الأزمات هو مصدر إلهام كبير لنا جميعاً.

 

ندرك أيضاً التضحيات الشخصية التي تقدمونها، فقد فقدتم الأصدقاء والأحباب، وتعرضتم للمخاطر والصعوبات الشديدة. ومع ذلك، تظلون ملتزمين بمهمتكم الإنسانية وتبذلون قصارى جهدكم للحفاظ على صحة وسلامة المجتمع المحلي في شمال غرب سوريا.

 

في هذه الأوقات العصيبة، نحن في رابطة الشبكات السورية نودُّ أن نؤكد لكم أننا نقف إلى جانبكم بكل قوة، كما نقدر التضحيات التي تقدمونها ونثمن العمل الدؤوب الذي تقومون به في خدمة القطاع الصحي.

 

شكراً لكم مرة أخرى على تفانيكم والتزامكم مهمتكم النبيلة، نحن فخورون بكم ونعلم أن عملكم القيّم يعمل على تحسين حياة الملايين من الأشخاص المتضررين. لا تنسوا أنكم لستم وحدكم، بل تعملون كفريق واحد ضمن منظومة العمل الإنساني لتحقيق الأمل والشفاء.

 

مع كل الاحترام والتقدير… 

شارك الحكاية